مسكينة (ما صدنا شيئا والذي معنا أفلت)
كان نصيب الأم قليلا من الدين والخلق فلم يردعا عن هدم بيت ابنتها
وتفريقها عن زوجها وانتزاع أطفال من أحضان والديهم وساعدها على ذلك ذوبان شخصية
ابنتها أمامها وسطحية نظرتها وتفاهة تفكيرها الذي لم يمكنها من الوقوف أمام إعصار
يريد تحطيم أسرتها وحجتها أن كل محاولة لعصيان أمها مع كل ذلك عقوق ما بعده عقوق
مما سهل على الأم أن تلقي في روع ابنتها ((مسكينة)) وفي حضور صهرها أو غيابه بأنها
درة لم يعرف زوجها قيمتها وأن عشر سنوات من الزواج مضافا إليها أربعة بنات كلها
أخطاء تراكمت يجب تصحيحها في الوقت المناسب وأن عليها أن تبدأ حياتها مع شخص جدير
بها علما ومالا ومركزا اجتماعيا مرموقا وما كان ممكنا صار مستحيلا
وجاءت فرصة ليعمل الزوج في
الخارج فسافر على أن تلحق به زوجته وأطفاله بعد إنهاء بعض ما يلزم ولاح في أفق
الأسرة قريب لم يتزوج بعد إنهاء تعليمه إلى جانب مركزه المالي والاجتماعي فاصطادته
لها أمها وزينت له ابنتها وأشادت بمحاسنها وحظها العاثر وحظ زوجها الذي يناطح
السحاب وافق العريس وأظهر حماسة شديدة بعد أن لوحت الأم بأن الأطفال سيكونون مع أبيهم
فطلب من ((مسكينة)) أن تطلب الطلاق من زوجها قلق الزوج على تأخر زوجته ليستلم
رسالة منها تطلب فيها الفراق وأن عليه الحضور لاستلام بناته بعد انتهاء العدة وكان
لها ما أرادت وزهد الزوج في هذه الدنيا التافهة التي تجعل الإنسان يبيع زوجه
وبناته وعشر سنوات برخص وسهولة ونزل بهمومه إلى قاع نفسه ودفنها وخرج إلى الناس
ضاحكا من الألم (وشر البلية ما يضحك)
وبدأت الأم في تجهيز ابنتها والابنة ((مسكينة))تنتظر أيام العدة
انتظار الغريب لعودته الوطن وكان العريس لا يفارق الأم ثم بدأ يتثاقل في الحضور ثم
لم يعد يحضر وعندما استدعته الأم وسألته عن هذا الفتور قال لها: والله لقد راجعت
نفسي فوجدت أني قد تسرعت وأن من لم يتعظ بعينيه لم يتعظ بأذنيه لقد باعت
((مسكينة)) زوجها وبناتها وعشر سنوات من الزواج وطفلان في أمس الحاجة إليها من أجل
مركز ومال وهي قادرة على بيعي بأرخص من ذلك وأنا أشفقت على البنات و لا أريد أن
أقف يوما في مكان زوجها ولا تسل عن حالة ((مسكينة)) فصارت تكلم نفسها وخاصة بعد أن
تبرأت أمها من فعلتها بعد أن زينتها لها كما تبرأ الشيطان عندما أغوى آدم ولم تفقد
الأمل فسارعت بالكتابة إلى زوجها تطلب منه السماح وتبدي أسفها وندمها وتسرعها
وتلقي باللوم على أمها وترجوه العودة لصغاره لتعوضه ما سببته له من آلام نفسية
فيرد عليها قائلا: أشكرك ولئن تركتني في شبابي خير من أن تلقي بي في شيخوختي(وعسى
أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) وصلتها رسالته فصارت تردد المثل(( ما صدنا شيئا والذي
معنا أفلت)) وصرخت وبكت حظها ولامت أمها ونقلت للعلاج من انهيار عصبي شديد