الصــــــــبر قــــــــرار نخــــــتـــار اتخــــــاذه
ليس الصبر شيئاً نمتلكه أو لا ، ولكنه قرار نتخذه ، أو خيار نأخذه
مراراً وتكراراً . وكلما زاد إدراكنا لهذه الحقيقة ، أصبحنا أكثر
حرية لتطبيقها .تماماً كما تقرر الأم الصبر تسعة أشهر حتى ولادة طفلها .
عندما نرى الصبر كقرار نحن من يتخذه ، فإننا ندرك أننا سوف
نواجه هذا الخيار مراراً وتكراراً ، في كل مرة يكون لدينا الحرية
في أن نختار الصبر ؛ مع رئيس في العمل مثير للغضب ، أو مع أخوة
محبين للخصام ، أو مع جار مثير للغيظ .
إن الجميل في إعتبار الصبر هو قرار نقوم بإتخاذه هو أنه لكي
ننجح في ذلك لا يهم إلى أي مدى نعتبر أنفسنا فاقدي الصبر ؛ فدائماً
سوف تواتينا فرصة أخرى لكي نختار هذا الخيار ! وأياً كانت هذه
الظروف التي نواجهها الآن ، فلدينا الحرية أن نختار الهدو والسلام .
في كل يوم ، وكل لحظة ، القرار قرارك .
مرحـــــــــــــــــبا بمُـــعــــــلمــــــي الصـــــــــــبــــــر
"حتى يمكنك أن تمارس الصبر ، تحتاج إلى مزعجين حقيقيين
لمساعدتك على ذلك ، إذ لا حاجة إلى ممارسته مع من يتسمون بالدماثة
واللطف ؛ فالتعامل معهم لا يتطلب صبراً "
" تالا " صديقتي الحميمة لها أخت مزعجة تدعى " لينا " منذ
اليوم الذي ولدت فيه " تالا " بعد تسع سنوات من ميلاد أختها " لينا"
وهما في حالة من عدم الإنسجام مع بعضهما البعض . تقول " تالا " :
كانت " لينا " تغار مني بشكل كبير لأنها بولادتي حرمت من
كونها الطفلة المدللة الوحيدة في الأسرة . ورغم مرور خمسين عاماً
على ولادتي الآن ، فلا زالت علاقتي بها يشوبها التوتر ، وعلى الرغم
من أنني أشكو من أن علاقتي بها ليست جيدة ، إلا أنني أدين لها بالفضل
لانها كانت أعظم معلم لي ؛ فأيا كان ما مقدار ما أتحلى به من صبر فقد
حصلت عليه في حقيقة الأمر من تعاملي معها
فقد تعلمت أن أصبر على برودها ، وعلى أن أعطيها بدون أن أتوقع منها أن تكون لطيفة معي بالمقابل " .
يا له من موقف غريب ! أن يكون بمقدورنا أن نرحب في حياتنا
بمن نعتبرهم أكثر الناس إرهاقاً لنا ، لأنهم سوف يعلموننا الصبر .
هناك أب لديه إبنة في مرحلة المراهقة تدعى " ليان " وكانت
لديها مشكلات خطيرة بالتعلم منذ ولادتها . وقد قال مرة :
" كنت أدعو الله دائماً أن يلهمني الصبر ، فإستجاب الله لدعائي
ورزقني بإبنتي " ليان " ، فكان لزاماً علي أن أصبر " .
وهناك قصة تعليمة من التبت تقول : أحد الرهبان كان يتأمل بمفرده
في كهف أحد الجبال العالية . وذات يوم رآه أحد الرعاة وقرر أن
يوقع به فسأله : " ما الذي تفعله هنا بمفردك " ؟ . فأجابه الراهب
" أتأمل في الصبر " . صاح الراعي بأعلى صوته بينما كان يستدير
لينصرف : " حسناً .. فلتذهب إلى الجحيم " . فما كان من الراهب
إلا أن رد على على صراخ الراعي بصراخ مماثل قائلاً :" بل إذهب
أنت إلى الجحيم ! " .فضحك الراعي وإستمر يضحك طوال طريقه
وهو ينزل من الجبل .
كما توضح هذه القصة ، فالتحلي بالصبر لا معنى له إلا إذا
كنا قادرين على إستخدامه عندما نحتاج إليه . وكان الراعي في هذه
القصة معلما عظيماً ؛ لأنه قد أوضح للراهب أن فهمه لمسألة الصبر
كان نظرياً فقط .
عندما ننظر إلى هؤلاء الذين يمثلون تحدياً بالنسبة لنا على أنهم
" معلمون " وليسوا أعباءً ثقيلة تزداد قدرتنا على الصبر فوراً.
عندما نفتح قلوبنا للناس والأشياء نصبح في حالة من الهدوء الروحي
كما نصبح أقل عُرضة للتأثر بكل ما تلقيه إلينا الحياة من صعاب ومشكلات
وفي هذه الحالة يصبح الأشخاص ذوو الأطباع الصعبة والأحداث
الصعيبة فرصاً مثيرة للإهتمام يمكن إستغلالها لمزيد من النضج والنمو
بدلاً من أن يصبحوا عقبات خطيرة يتعين علينا إحتمالها
من خلال هذه الرؤية ، نستطيع أن نستمتع أكثر بالحياة أيا كان ما يحدث معنا .
الصـبـر يسـاعدنـا علــى تكــوين حياة نشعر بها بمزيد من السعادة والحب
هناك الكثير من الزوجات يشتكين من أزواجهن لدرجة أنهن
لا يطقن تمضية يوم آخر معهم بسبب " سقطة أو " عيب قاتل "
فهو : قصير جداً ، أو لا يكسب قدراً كافياً من المال ، أو حتى
يترك المنشفة وهي مبتلة على أرضية الحمام !
ويبدو أن تلخيص تلك الحقيقة هو : إنها لم تحب شريكها
بالشكل الكافي الذي يجعلها تتحمل نقائصه وعيوبه وتصبر عليها .
لا يمكننا أن نحب دون صبر . فنحن نحظى بتجربتنا الرومانسية
الأولى ، هذا الوقت الذي نشعر فيه بمشاعر رائعة ؛ نشعر بها بأننا
والطرف الآخر كياناً واحداً . ولكن عندما يخبو وهج هذه المرحلة
وتصبح أنت بكل صفاتك وسماتك ، وجهاً لوجه أمام شريك حياتك
يقضي الطرفان وقتاً طويلاً وكل منهما يحاول تحمل عيوب الآخر :
حقيقة أنه يتجشأ على الملأ ؛ وحقيقة أنها من حين لآخر تمُر بحالة
من التوتر والقلق لأي سبب من الأسباب ؛ وأنه يرتدي نفس
الحذاء منذ ما يزيد عن عشرة سنوات ؛ وأنها لا تراعي تناسق الألوان
في إرتداء ملابسها أو ملابسه .
إن الناس قادرون على أن يتغيروا ، وهم يتغيرون بالفعل
ولكنهم نادراً ما يتغيرون بالقدر الذي نرغبه . وسر السعادة في الحب
يكمن في أن ينظر كل طرف بعين التقدير إلى نقاط ضعف الطرف الآخر
إن القيام بذلك يساعد الطرفين على التحلي بالصبر في الأوقات الضرورية
عنما يُطلق دعابة قديمة سمعتها هي ألفي مرة قبل ذلك ، أو عندما
ترجع هي إلى البيت بعد جولة شرائية أفرطت فيها بالشراء .
إن المدهش عن الصبر في الحب أنه عنما يتقبل كل طرف
الطرف الآخر كما هو عليه ، يزيد بذلك إحتمال التغيير . وهذا لأن تحلي
الطرف الآخر بالصبر يوفر ملاذاً آمناً نشعر فيه بتقبله لنا بكل محاسننا
وعيوبنا ، وفي دفء هذا القبول ، سنشعر بالأمان بالقدر الكافي الذي
يسمح لنا بالمخاطرة بالتطور والنمو. ومن ثم ينتهي الأمر بتغيير
الطرف الآخر بالشكل الذي نرغبه ؛ لأننا قد وفرنا له المجال المناسب للتغيير .
الصــــــبـــــر يجــــعــــل مــــنا أبـــــاءً أفضـــــــل
هل هناك أي شيئ أكثر جمالاً من الأطفال ؟ إنهم يقولون كل تلك
الأشياء المحببة ، ويغمرونك بالقبلات والأحضان ، ويريدون إرضائك
بكل طريقة . إن مجرد التواجد معهم يعد بهجة وسعادة حقيقية .
وكذلك ، هل هناك أي شيئ أكثر إثارةً للغضب من الأطفال ؟
إنهم يلقون بعصير البرتقال على السجادة البيضاء الفاخرة في البيت
ويسألونك نفس الأسئلة مراراً وتكراراً ، ويحولون ممارسات الحياة
الحياة العدية كغسيل الأسنان مثلاً - إلى نضال وصراع مستمر .
إن مائة عام من البحوث حول النمو العاطفي تظهر أننا - نحن الآباء
من نحدد على الأقل ما إذا كانوا أبنائنا سيصبحون عنمدما يكبرون
أشخاصاً على درجة عالية من الكفاءة والقدرة على النجاح
في الزواج والعمل أم لا .
إن الصبر يعد أحد أروع حلفائنا في عملية التربية ، تلك العملية
التي تتسم بالتعقيد . فالصبر يسمح لنا مثلاً بأن نستمر بهدهدة الطفل
الذي يبكي منذ ما يقارب الساعة ، وبأن نقرأ لأطفالنا نفس القصة
المحببة إليهم للمرة الألف ، وأن نستجيب للأولاد المراهقين عندما
يعودون إلى البيت في وقت متأخر مثلاً .
الصبر يسمح لنا بأن تتوقف قليلاً تلك المعركة التي تنشب
بين الأبناء طلباً للإستقلالية والآباء سعياً وراء تأمينهم وعدم تعرضهم
للخطر .
إننا لن نصبح آباءً مثاليين مهما حاولنا . وهذا أمر لا بأس به
فكل ما نحتاج إليه هو أن نكون جيدين بما فيه الكفاية فقط . والصبر
يساعدنا على أن نكون آباءً جيدين بما فيه الكفاية حينما تكون إستجاباتنا
وردود أفعالنا الحكيمة والرقية والمفعمة بالحب تجاه أولادنا أكثر من
ردود أفعالنا الحادة والتي نُقدم عليها دون تروِ .
مـــــهـــــما طـــــال أي شيــــئ فلـــن يستمــــر إلى الأبـــــد
عندما لا نتحلى بالصبر ، فإننا نميل إلى إضفاء صفة الدوام والثبات
على الواقع الحالي ؛ وبناءً على ذلك نقنع أنفسنا بأشياء مثل :
سوف أظل عالقاً في هذه الوظيفة إلى الأبد ؛ سوف أظل أغير الحفاضات
لطفلي للأبد ؛ سأظل أكافح أزمتي المالية للأبد ؛ سوف أظل مريضاً
طريح هذا الفراش للأبد ؛ سوف أظل وحيداً إلى الأبد .
عندما نكون في موقف مزعج وغير مريح ، سواء كان
بسيطاً أو صعباً ، يكون من السهل للغاية أن يضيق العالم أمامنا
ليصبح لا يعدو أكثر من الحالة غير السارة التي نمر بها ، ويكون
من السهل علينا أن نشعر باليأس تجاهه بإستمرار .
ولكن عندما نتذكر أن الأشياء تتغير دائماً ، يمكننا أن نتماسك
بصورة أكثر إرتياحاً . ولهذا تذكر مهما طال أي شيئ فلن يستمر
إلى الأبد . هذه الحقيقة العميقة تعتبر سلواناً عظيماً عندما تتأزم
الأمور وتشتد المحن - حتى نستطيع أن نتحمل الأمور كما هي عليه.
أوقــــات الـــراحــــــة على نفـــــس أهميـــــة أوقــــــات العمــــل
كيف يكون من السهل علينا أن ندرك أن الأطفال يصبحون
في حالة من القلق والتوتر عنما يشعرون بالتعب ، بينما يكون من
الصعب علينا أن ندرك أن نفس الشيئ ينطبق على الكبار ؟
إننا في حالة عمل دائمة في أي ساعة من النهار أو الليل .
كما أن مفهوم عطلات نهاية الأسبوع قد فقد معناه تماماً . الحاصل
أنه لم يعد هناك وقت خالص للراحة لا نتعرض فيه للمقاطعات .
وإذا لم يكن هذا كافياً ، فنحن بإستمرار نتعرض لذلك السيل
الذي لا ينقطع من المعلومات عن طريق الإنترنت والمجلات والتلفزيون
والراديو والكتب . وكما يقول أحد الكتاب : " لماذا أصبحنا جميعاً
نعاني على الأقل بشكل بسيط من إضطراب نقص الإنتباه ؟ " .
السبب هو أن عقولنا تصرخ قائلة : " كـــــــــفــــــــى ! " .
عنما نتلقى قدرا كبيرا من المعلومات وبإيقاع سريع
يصبح هناك الكثير الذي يتعين على عيوننا وآذاننا وعقولنا مجاراته
واللحاق به . وحتى يمكننا النجاح في ذلك فإننا نعود أنفسنا على
أن تكون لحظات تركيزنا قصيرة ، وعلى أن نقوم بالعديد من المهام
في وقت واحد، والنتيجة هي أن آدائنا وأفكارنا لا تكون على درجة
كاملة من النضج والإكتمال .
نحن لسنا فقط بجاجة إلى وقت للتفكير والتامل ، ولكننا بجاجة
إلى قدر كاف من النوم . لقد قلت عدد ساعات نوم الإنسان
الحاضر ما يعادل حوالي الساعة والنصف - إلى الساعتين يومياً .
ربما لا تبدو هاتين الساعتين مهمة بقدر كبير ، ولكن الباحثين
وجدو أنها تؤدي إلى كل أنواع المشكلات الصحية بما فيها إرتفاع ضغط
الدم وإرتفاع نسبة السكر في الدم وطبعاً قلة الصبر.
إننا جميعاً بحاجة إلى قدر كاف من النوم ، كما أننا جميعاً
نحتاج إلى وقت معين من ساعات اليقظة لا نكون فيه عرضة
للمقاطعات ولا للمحاسبة من أحد . وإن لم نفعل ذلك ، فلن نتمكن
من إمتلاك ما تتطلبه الحياة من مخزون إحتياطي من الطاقات العقلية
والجسدية ، كل منا بحاجة إلى أن يجد طريقته الخاصة ليحظى
بالقدر الكافي من النوم وبالوقت الهادئ أثناء اليقظة .
ما الذي يعنيه هذا بالنظر إلى الصورة الأكبر للأشياء ؟
هدئ من روعك ؛ فسوف تتساوى كل الأشياء بعد مائة عام من الآن !
تصادف أن كانت هناك إجازة شبه طويلة نهاية الأسبوع
ونتيجة لذلك ظلت إبنتي " راما " ملتصقة بي كظلي لمدة أربعة
أيام كاملة . وطوال هذا الوقت لم تتوقف أسئلتها وطلباتها :
" أمي ، هل يمكننا أن نذهب للحديقة الآن ؟ ...
" أمي ، أمي هل يمكنني أن أتناول العصير ؟ ....
" أمي ، أمي هل يمكننا الذهاب إلى النادي ؟ " أمي
هل يمكنني مشاهدة الكرتون ؟ .. أمي .. أمي .. أمي الخ"
وفي أحد هذه الأيام وبعد أن تجاوز عدد أسئلتها وطلباتها كل مدى
سألتها إن كان من الممكن أن تتوقف لمدة عشر دقائق فقط عن توجيه
أي سؤال لأنني أحتاج إلى أن أرتاح قليلاً ، فماذا كان ردها ؟
لقد سألت ببساطة : " لماذا " ؟! سؤال آخر أضحكني كثيراً .
إستطعت أن أتحمل تلك التجربة بدون أن أفقد أعصابي أو ينفذ
صبري . في الصورة الكُلية لحياتنا ، ما الذي تعنيه أربعة أيام
من الأسئلة المتواصلة ؟ لقد ذكرت نفسي بأنني محظوظة لأنها
تريد لفت إنتباهي بشكل كبير ، فأنا أعرف أن هذه الفترة التي
تعتبرني فيها إبنتي محور حياتها وموضع عشقها لن تستمر طويلاً !
ولهذا علي أن أحاول اللإستمتاع بها بقدر الإمكان .
قالت لي إحدى صديقاتي مرة : " عنما يغضبني أو يقلقني
أي شيئ ، أسأل نفسي هل سيكون هذا الشيئ مهماً بعد خمسة
عشر عاماً أو حتى بعد خمسة عشر دقيقة ؟!" . يساعدني هذا الأمر
على إدراك أنه أياً كان ما أعتقد أنه يستحق غضبي أو قلقي ، فهو
ليس بالأمر الخطير أو المهم .
هناك سيدة كانت في صراع مع مرض السرطان منذ ما يزيد عن عشرين سنة قائلة :
" مائة شيئ اليوم سارت على نحو لم أحبه أبداً ، ولكنها جميعها أفضل من السرطان " !! .
عندما نقارن أي شيئ يحدث بالصورة الأكبر للأشياء
نكتسب الصبر بشكل تلقائي . وهذا لأننا عندها نستطيع أن نصرف
نظرنا عن تفاصيل الموقف - فلا تهتم الزوجة كثيراً بأن زوجها
للمرة الثانية لم يقم بالتخلص من القمامة - عفواً ، ولا تهتم
مثلاً بأن صديقك لم يقم حتى بشكرك عن جميل قمت بعمله له مؤخراً .
من المنظور الأكثر إتساعاً ، يمكن للزوجة في الموقف السابق
أن تطرح على نفسها تلك الأسئلة : هل هذا الأمر مهم بحق ؟
ما هو المهم في هذا الموقف ؟ أن زوجي إنسان رائع وأب عظيم
فلو أنه نسي إلقاء القمامة ، فهل هذا يعني الكثير مقارنة
بهذه الصفات ؟ .
حتى حفنة التراب إذا نظرنا إليها عن قرب فسوف تبدو شيئاً هائلاً
ولكننا إذا نظرنا إليها من بعيد فسوف نرى أنها ليست جبلاً .